قد يلتقون صدفة في مناسبة اجتماعية أو في مركز صحي أو في الطريق وفي ظروف معينة، يجتمعون على الذكريات وسنوات العمل والعمر والكثير من التفاصيل، ولكن ببعض الشكوى من عدم التواصل والاهتمام بهم وهم قطاع كبير يتسع كل مرحلة يتم من خلالها خروج أعداد من مواقع العمل للاستراحة في «البيت».
بالطبع الحديث عن المتقاعدين من الناحية المادية يحتاج إلى مختصين والحديث عن تكلفة وفاتورة التقاعد والمبالغ المترتبة على مضمون ذلك، ولكن أود الإشارة إلى الجوانب الشخصية والاجتماعية وربما النفسية للمتقاعد (وأنا واحد منهم) ودراسة أوضاعهم وخصوصا من مضى على تقاعدهم فترات ليست بالقصيرة.
وبالطبع هناك صناديق للتقاعد والتأمين الصحي، وبعض المنافع المادية لخدمة المتقاعدين، ولكن هنالك الكثير من جوانب الفراغ والوقت والجهد والأوضاع النفسية والاجتماعية للمتقاعد والتي تحتاج إلى عناية خاصة من الجميع وخصوصا المحيطين بالمتقاعد والأصدقاء والجيران؛ قد يجدي الذهاب للمسجد وأداء الفروض في سد وقت محدد من برنامج اليوم، ولكن ما هي طبيعية الخدمات المقدمة للمتقاعد وبشكل يمكن الاستفادة من خبراته ومهاراته وقدرته على العطاء وخصوصا من تقاعد في عمر مبكر؟
البطاقة المجانية لاستخدام حافلات النقل العام ميزة مناسبة ولكنها تحتاج لعناية حيث يشكو بعض المتقاعدين من طبيعة معاملتهم من قبل بعض السائقين بشكل غير مناسب ولائق عند السؤال وعلى مسمع من الركاب صغار السن.
النوادي الثقافية والاجتماعية ضرورة ومطلب للمتقاعد لأسباب اجتماعية عديدة منها اللقاء والاجتماع مع زملاء العمل والحديث الشفهي وليس التواصل عبر مجموعات «الواتس"؛ تقع المعاناة أحيانا في العزلة والبقاء في المنزل لأيام وأشهر دون مشاركة ومتابعة لأحوال المتقاعدين فيما بينهم.
العمل التطوعي والجمعيات الخيرية والعديد من وجهات العطاء في بلدنا يمكن أن تستقطب اهتمام المتقاعدين وتستفيد من خبراتهم ووجهات نظرهم وخلاصة فكرهم في العمل والعلاقات الاجتماعية والمساهمة في إصلاح ذات البين والعديد من الأمور الأخرى خدمة للمجتمع والصالح العام.
لا بد من إيلاء المتقاعد الاهتمام والتكريم والوفاء على المستوى العام والخاص والتفكير في وسائل جديدة للاحتفاء بالمتقاعد وخصوصا ممن يعتكف في منزله بعيدا عن المجتمع وعن التفاعل الإيجابي المنشود.
بطبيعة الحال ونظرا للظروف الاقتصادية الراهنة هناك فئة من المتقاعدين تعمل لتلبية حاجات الأسرة ومتطلبات الجميع وتكابد من التعب الكثير و بعض المتاعب الصحية وتحمل أصحاب العمل في سبيل السترة وكسب العيش.
شؤون المتقاعدين متشعبة ولعلها مع الاوضاع الراهنة تزداد صعوبة مع تقدم العمر وغلاء المعيشة والمتطلبات العديدة سواء لتعليم الأولاد والبنات وحتى رعاية الأحفاد وتلبية احتياجاتهم وإدخال السرور لنفوسهم.
المتقاعدون ومن الجنسين (ذكور وإناث) لديهم الكثير من تجارب الحياة والعمل والعلاقات والافكار والاجتهادات والتطلعات ولديهم من الوقت ما يتسع للمساهمة وتقديم ما يفيد للجميع من خلاصة الخبرة والتجربة والتعامل عبر محطات ومراحل الحياة المنوعة.
لا بد من الاستفادة من المتقاعد وبالاشكال المتاحة والتعريف بمسيرته وتجربته وصبره ونضاله على جميع جبهات الحياة والأجيال بعيدا عن مظاهر اليأس والإحباط والتشاؤم والسلبية وأقرب إلى المفيد ورفع الهمة والتقارب والتفاؤل والعطاء؛ ثمة العديد من نقاط الأمل والرجاء في كتاب وصفحات المتقاعدين تزينها شيباتهم ونظراتهم وابتساماتهم وضحكاتهم والعديد من حكاياتهم الممزوجة بالمشاعر وعواطفهم الجياشة.
يوميات المتقاعد جديرة بالمتابعة والاهتمام وإلقاء الضوء والتذكر والتوثيق والتسجيل والإشارة وخصوصا ممن يملكون ذاكرة قوية ويتمتعون بصحة وما يثبت على المراحل السابقة وتلك التي مرت من قبل وما تزال حية في النفوس.
تحية للمتقاعد ومن سوف يكون في حكمه، تحية للجميع.
[email protected]